أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

التوكل على الله والاستعانة به في حل المشكلات .. قوة للعبد

 

التوكل على الله من الأمور التي عني بها الإسلام ونص عليها القرآن والحديث النبوي

التوكل على الله والاستعانة به في حل المشكلات.. قوة للعبد


    التوكل على الله عز وجل والاستعانة به من الأبواب المهمة لحل المشكلات، حيث يلجأ العبد إليه بالدعاء، طالبا منه العون في أحوال الشدة والرخاء، ومن ثمرات هذا أنه يفتح الأبواب المغلقة؛ لأنه فيه ثقة برب الكون عز وجل. ولا يعنى التوكل عليه سبحانه وتعالى والاستعانة به التخلي عن العمل، وإنما امتلاك مهارات التعامل مع المصاعب، والبحث عن طرق وخطوات لتجاوزها. ويزخر القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي تحدثت عن "التوكل"، كما نجد في الحديث النبوي الشريف ما يدلنا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قدوة في هذا.

حل المشكلات باللجوء إلى الله:


    يعتقد بعض الأشخاص أن الضعفاء هم الذين يتوجهون إلى السماء عندما تضيق بهم الدنيا وتتكالب عليهم الأزمات، وأنهم بدلا من البحث عن حلول عملية يلجأون إلى الدعاء والابتهال إلى الله. ويصف هؤلاء من يفعل هذا بأنه من الكسالى الذين لا يريدون أن بذل المجهود.

    الحقيقة، أن الشخص عندما يقبل على الله ويتوكل عليه في حل مشكلاته فإنه يستمد منه القوة، لكن بشرط أن يكون قد اتخذ كل الوسائل، حتى لا يكون ما يفعله نوعا من "التواكل". والعبد المؤمن لا يقبل على ربه عندما تتعقد الأمور، وإنما في كل الأحوال؛ لأن إتمام الأعمال يكون دائما بتوفيق منه عز وجل الذي يكتب التيسير له.

الاستعانة بالله في "سورة الفاتحة":


    الكثير من آيات القرآن الكريم يدعو إلى العمل مع التوكل على الله عز وجل واستمداد القوة منه سبحانه وتعالى، فالإسلام يطلب من الإنسان أن يعمل مع الاستعانة بالله عز وجل ليمنحه القوة والتيسير، وهذا الأمر جعله الله مصاحبا لنا في جميع صلواتنا، فلا ركعة من الركعات تخلو من قراءة سورة الفاتحة التي نتلو فيها قول الحق سبحانه وتعالى ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ (الفاتحة: 5).

    الاستعانة بالله عز وجل تكون في جميع أحوال العبد، يجمع فيها بين العمل وطلب القوة من ربه سبحانه وتعالى، سواء في أفعال الدنيا أو الآخرة، فاكتمال العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج وفعل للخيرات يكون بالعون من الله عز وجل.

    وكذلك فإن أعمال الدنيا تتحول إلى عبادة عندما تكون مصحوبة بالنية الخالصة لرب العزة سبحانه وتعالى الذي يريد منا أن نعمر دنيانا ونفعل فيها الخير للناس كما نغرس الحسنات للآخرة. وكلمة (إياك) في الآية تدل على وجوب التوجه الكامل إلى الله عز وجل في جميع الأعمال، فكما أن العبادة الخالصة له وحده، فإن الاستعانة الحقيقية لا تكون إلا به، فهو صاحب القوة العليا في إتمام الأعمال، ولذلك يجب التوكل عليه في كل شيء، بأن يتعلق القلب به في جميع الأمور، حتى تمتد يد القدرة الإلهية إلى الإنسان بالعون والتيسير.

    يوضح الإمام الشيخ محمد عبده في تفسيره للقرآن الكريم أن (وإياك نستعين) ترشدنا إلى الاجتهاد في إتقان العمل النافع، وأن نفعل ما في وسعنا حسب طاقتنا ونطلب منه سبحانه أن يعيننا لكي يأتي ما نفعل على أكمل وجه.

التوكل على الله دليل الإيمان:


    التوكل على الله عز وجل دليل على الإيمان، فمن يستعين به سبحانه وتعالى يثق أنه لن يخذله، ويعينه دائما، ومن يفعل هذا فإنه ذاكر له عز وجل، فقلبه متعلق به، ولا شك أنه سيكون معه، فالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق أخذا بالأسباب في رحلة الهجرة من مكة المكرمة إلى يثرب، وأثناء وجودهما في الغار وصل المشركون وخشي أبو بكر أن ينظر أحدهم أسفله فيراهما، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام طمأنه بأن من يتوكل على ربه لا يخذله، وهو الموقف الذي سجله القرآن الكريم، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ﴾ (التوبة: 40).

توكل الرسول على الله في الغار:


    قال أبو بكر الصديق عن ثقة النبي عليه الصلاة والسلام واستعانته به إنه قال له الغار: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا" (رواه البخاري)، ذلك أنه سبحانه ينجي عبده الذي يؤمن به ويلجأ إليه، وهو ما حدث مع سيدنا موسى عليه السلام، عندما اقترب فرعون وجنوده من البحر قاصدين التخلص من موسى وقومه، فقال القوم لموسى إن جنود فرعون سيدركونهم ويقتلونهم، لكن نبي الله كان شديد الثقة في ربه، فرد على قومه: ﴿كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ﴾ (الشعراء: 62)، وأوحى الله إليه أن يضرب البحر بعصاه، فانقسم إلى مجموعة من الطرق اليابسة، وصارت المياه كالجبال العظيمة، ومر موسى وقومه في هذه الطرق بسلام، فعاد البحر كما كان وغرق الأعداء، لتكون آية تبعث الاطمئنان في نفوس المؤمنين، بأنه معهم.

    ولما أنجى عز وجل سيدنا إبراهيم من النار ترك قومه، وما كان منه إلا أن لجأ إلى ربه ليهديه إلى ما فيه الخير ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ﴾ (الصافات: 99)، وهذا هو حال من يلجأ إليه سبحانه فإنه لا يخذله أبدا.

التوكل على الله في كل الأعمال:


    وتظهر التوكل على الله عز وجل في كل عمل، فالقرآن الكريم يقرن في كثير من آياته بين الإيمان والعمل الصالح، أي الجمع بين العبادة والتعلق بالله عز وجل وطلب العون منه، ومن هذه الآيات، قوله تعالى: ﴿ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ (البقرة: 62)، و﴿مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ (النحل: 97)، و﴿لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ﴾ (الطلاق: 11).

    وهناك مثل سائر بين الناس يقول إن "السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة"، هذا المثل يصدق على من يتواكل ويتكاسل عن العمل، لكنه لا يصدق على من يتوكل على الله. والدليل على هذا، أنه عندما ينقطع المطر، ويصلي المؤمنون لله عز وجل صلاة الاستسقاء طالبين نزول المطر، فإن الله يتنزل برحمته عليهم ولا يخذلهم، فيمدهم بالمطر الذي يروي الأرض الظمأى، فيبعث فيها الحياة، ويخرج منها الزرع الذي يأكلون منه ويبيعون منه فيشترون الذهب والفضة، ويحدث هذا عندما يقرنون الإيمان بالعمل والجد والاجتهاد، إذ على الإنسان أن يعمل ما في وسعه، مستعينا بالتوكل على الله، وليس التواكل وانتظار الرزق دون جهد وتعب.

من وسائل التوكل على الله والاستعانة به:


    الصلاة من وسائل التوكل على الله عز وجل والقرب منه، بها يقترب العبد من ربه، وكلما خضع له وذلَّ كان أقرب إليه، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ﴾ (البقرة: 45)، فالصلاة علاج للكثير من المشكلات، ومنها الهمّ، ففي الحديث القدسي: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ ، لَا تَعْجِزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ" (رواه أحمد وأبو داود). والصلاة تحل مشكلة الفزع من الأحلام المزعجة في النوم، ولذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الواحد منا إلى الصلاة إذا رأى في نومه ما يكره.

    ويكون العبد مع الله عندما يلهج لسانه بذكره سبحانه وتعالى، فيكون قريبا من المولى عز وجل الذي يحب اقتراب عبده منه، وعندما يكون مع الله فإن ربه يكون معه ولا يخذله، فعن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تَعالى: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي" رواه البخاري.

    ويلجأ العبد إلى الله عز وجل بالدعاء، فيجد ربه قريبا، يحب عبده الذي يناجيه ويطلب منه، وكلما ألح في الطلب كان هذا أحب إليه، وهو يطلب من عباده أن يبتهلوا إليه بالدعاء، حيث يقول القرآن الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ﴾ (غافر: 60)، وهو الذي جعلهم يطمئنون إلى أنه قريب منهم بقوله في كتابه الكريم: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ﴾ (البقرة: 186).

    يجب أن يكون المسلم متعلقا بربه دائما، يستمد منه القوة والعون في الرخاء قبل الشدة، حتى لا يكون كمن يطلب حاجة من غيره وعندما تنقضي ينصرف عنه، وإنما تكون العبادة خالصة لله عز وجل في جميع الأحوال، حتى يجده معه في كل الأوقات.

    ولذة العبادة تمد العبد بالطاقة الإيمانية التي تجعله قادرا على مواجهة المحن والمشكلات اليومية، وتمكنه من اجتيازها والمرور منها بسلام ورضا بقضاء ربه وقدره، مع التماس العون منه في زوال المحن، فيكون قويا به سبحانه، وغنيا وعزيزا، جلَّ في علاه.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-